الرأيالعالم اليوم

 سلسلة عمّي تبّون : الحلقة ما قبل الأخيرة

لقد أصبحت هذه السلسلة بالفعل محطّ اهتمام الكثير من المبدعين عبر العالم خاصّة فنّاني الكاريكاتور.. بل هي دقائق معدودة بعد نهاية الحلقة حتّى تتحوّل مادّتها إلى تعبيرات فنيّة وبلغة ساخرة كتلك الشجرة المنتجة لغبرة الحليب وانتقال قيمة الدينار الجزائري من 140 دولار إلى 100 دولار،  جعلت الجميع يقارنها  بعملة البيتكوين أو عملة يعقوب المنصور  الذهبي المغربي

ومن كان لا يعتقد  بأن الرئيس الجزائري عمّي تبّون مليء بالسخرية، فقد أتاحت إطلالته الأخيرة مع إعلاميي بلده فرصة أن يرى ذلك بوضوح.

لقد سخر منهم جميعا. وسخر من نفسه. كما سخر من نظامه  وحوّل اللقاء إلى كوميديا سوداء، لا تعرف ما إذا كان يجب على الجزائريين أن يضحكوا على نتائجها أم يبكون..

أمّا نحن الأوفياء لهذه السلسلة منذ مجيء عبد المجيد تبون على رأس الدولة الجزائرية لم نكن نعرف ان لقبه الحقيقي وسط النخبة السياسية والشعبية هناك هو ” عمّي تبون” وهو اللقب الذي افرح الرئيس كثيرا حين طرح كسؤال محوري في ذات اللقاء.. وكم ذكّرني هذا اللقب بالسلسلة المغربية ” عمّى إدريس الصديق الأنيس” طبعا للأطفال..دون أيّ فرق مع النسخة الجزائرية إلا من حيث الجمهور إذ يعتبر وسط رؤساء دول العالم صديق أنيس وصانع للسخرية والتنكيت بخرجاته الغرائبية خاصة حين يرفع اصبعه مهددا الدول التي تحاول أن تقترب من الجزائر.. فالجزائر لا تركع.. وبالحرف قال عمي تبون:

“.. إذا أردت أن تفرض تصرفاتك التي تطبّقها على الآخرين فأنت مخطئ.. نحن بلد خمسة ملايين و630 الف شهيد ماتوا على هذه البلاد.. واقترب إن شئت”

سنترك جانباً رقم هؤلاء الشهداء فهو قابل للتغيير والتمديد حسب حلقات هذا المسلسل ونركّز على قدرة هذا البطل المغوار في مخاطبة وتهديد عدوّ لم يجرأ حتى ذكر اسمه من كثرة الخوف منه..

ألسنا أمام حالة دنكشيوطية على رأس هرم السلطة هناك.. بل وحالة النظام منذ عقود.. ما زالت هذه العنترية تمتد بمفاصل هذه الدولة حدّ الوهن.. فالبوصلة لا يزيح عقربها صوب  المغرب.. بل وقد مرّ في عهدة عمي تبون إلى السرعة القصوى بتكرار لازمته في كل حلقات هذا المسلسل منذ مجيئه قائلا :

” الجزائر ثابتة على مواقفها والقضية قضية تصفية استعمار.. ولو استعملنا العقل بدل القوة والتهديد سيهتدي أطرافها إلى حلّ القضية”

يعتبر هذا التصريح  الضامن الوحيد ل عمّي تبّون في الجزء الثاني من سلسلته الساخرة.. لكن رغم أنه تصريح مبتذل بالنسبة إلينا سنأخذه بحسن نية سذاجة وما علاقة هذه المواقف الثابتة بفتح مكتب لجمهورية اللايف مؤخرا حتّى تتكلّم أيها المهرج عن التعقل في حل هذا النزاع المفتعل بين الأطراف.. وهل هناك غير نظامكم منذ 1975.. إلى الآن جعلكم كالتائه في الصحراء.. فهو حائر بين العودة إلى الخلف، مما يعني ضياعا أطول، والمضي إلى الأمام بما فيه  المزيد من التيه.

هي ال”دونكيشوتية” السياسية  كسلاح أثير بيد هذه العصابة  سواء مع قضايا الداخل أو مع جبهة البوليساريو.

إذ أنها لا تستطيع أن تستنهض ما مات فيها وكرس عجزها  على تحقيق أهدافها. كما أنها لا تستطيع أن تمضي معها إلى الأمام أكثر، بالنظر إلى حقيقة أنه لم يبق من مبررات المشروع الانفصالي أي قيمة أصلا مقارنة مع الواقع والموقع الفاعل لبلدنا في طيّ هذا النزاع بشكل نهائيّ قريباً..

هي الجغرافية السياسية الجديدة بالمنطقة التي ازعجت العصابة هناك درجة أنّ عمّي تبّون لم يستطع إخفاء أسفه عن الجار الغربي ( المغرب) وموريتانيا اللذين  اختارا طريقا آخر مختلفا.

الأسف الذي أظهر مدى تأثر هو استيائه  من مبادرة بلدنا لإنشاء حلف أطلسي إفريقي يضم حتى واشنطن و لندن و مدريد، و أيضا مبادرة محور الأطلسي الموازي لدول الساحل، يصل بهم إلى موانئ الصحراء الغربية ونواذيبو.. وهو يسارع الوقت لإنشاء كيان هجين وسط الفضاء المغاربي كردة فعل صبيانيّ لاغير.. من عمّي تبّون الذي أدعوه إلى الإطلاع على مداخلة قيمة  للإشتراكي الفرنسي ديفير غاستون وهو يلخص الوضع المغاربي بقوله المشهورة: “التونسيّون يزورون والجزائريون يزعمون والمغاربة يعملون ”

تلك مزاعمكم كأضغاث أحلام بل افتراه…

و كما قال سبينوزا : “باستطاعة المرء أن يقرْر شنّ الحرب بمفرده.. لكن صنع السّلام يتطلّب اثنين عاقلين..”.

إلى حين أن يولد هذا العاقل بالجزائر فنحن صامدون محصّنون ضد هذا الأذى المجاني من جيل لجيل مادام الأمر لا يتعدّى هذا المستوى من الحلقات الترفيهية..

وعليه أقول.. واااااعمّي تبّون عواشيركوم مبروكة

يوسف غريب كاتب /صحافيّ.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى