الرأيالمغرب اليوم

السياسة والحب والسلطة والموت

“الكلمة التي تقال في مساحة صغيرة مغلقة لها معنى مختلف عن معناها وهي تدوي في مكان واسع”

ميلان كونديرا

  • بقلم عبد العزيز كوكاس //

يعرف البيولوجيون المجال الحيويّ بأنّه “المساحة اللازمة لنموّ واستمرار الكائن الحيّ”، فيما الجيوسياسيون يؤكدون أن المجال الحيوي للدولة هو ذلك الامتداد الذي يسمح لها بالاستمرار والنفوذ، حتى ولو امتد خارج مجالها الجغرافي كما حدث في الفترة الاستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تمثيلا لا حصرا، وأداته في ذلك هو السياسة، المجال الحيوي للسياسة إذن هو الامتداد والتوسع ولو على حساب الغير، وبالتالي فهي بلا حب لأن أدواتها مستجلبة من الحرب بشكل مدني، هي مجال للعداء والخوف والقتل الرمزي والمادي، فيما الحب هو أنبل عاطفة بشرية في الوجود وما يمنحنا الأمل في الاستمرار في التشبث بالحياة رغم بؤس الواقع.. وهو ما يعطي معنى لوجودنا في سياق شرطنا الإنساني والاجتماعي.

السياسة في المتخيل الشعبي رديفة الخبث، المكر والخداع، وحتى اللغة المعبرة عنها مستجلبة من حقل الموت (السياسي الفلاني انتهى، انتحر سياسيا، حرق مراكبه، قتل خصومه…)، فيما الحب نسمة الحياة وبسمتها الخالدة.. السياسي ثعلب ماكر، ليس له أصدقاء دائمون ولكن له مصالح دائمة.. بينما الحب بذل وعطاء بلا حدود.. لذلك حين يلتقي الحب والسياسة في قلب كل من يمارس السلطة أو يسعى إليها، يكون الضحية هو الحب، فهنا “البشاعة أقوى من الجمال لأنها أبقى” كما يقول المغني الفرنسي سيرج غاسبور.. غاية السياسي هي امتلاك السلطة من أجل تحقيق تصوراته أو مصالحه، أو هما معا، في حين ليس من غاية للعاشق سوى امتلاك المعشوق، وسعادة الألفة والألاف..

السلطة لا تفهم في الحب، لذلك نتذكر ما حدث في بداية الألفية الثالثة، لشابين غضّين بثانوية بمكناس، وهما العاشقان العفيفان، حين ضبطت الحراسة العامة للداخلية الشابان الفتيان في غرفة المعشوقة رفقة صديقتها، طيف تعاملت السطلة المدرسية مع الشابين المعروفة قصة حبهما في منشئهما الأصلي وحتى بين أسرتيهما.. استعملت الإدارة سلطتها وأحالت الشابين على المجلس التأديبي الذي طردهما.. الحراسة العامة كسلطة لم تكن تفهم في الحب، لذلك سعت إلى قتل ما يخرق رهبتها وسطوتها بين الآخرين، ولولا علم السلطة بنية زحف أهالي المدينة الصغيرة التي ينحدر منها الطفلان، من داخل وخارج المغرب نحو مكناس للاحتجاج على طرد العاشقين، لآلت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.

للحب دوما كلفة، وكلفة باهظة.. وفي السياسة ترتفع هذه الكلفة حد الموت الرمزي أو المادي.. منذ تفاحة آدم إلى إعجاب الروماني مارك أنطوان بأنف كليوباترا حتى الملك إدوارد البريطاني الذي تنازل عن العرش ليتزوج من معشوقته واليس سمبسون التي رفضها القصر… هذا ما حدث في ربيع 2015 عندنا فيما عرف بقصة “الكوبل الحكومي” الشهير لحبيب الشوباني والراحلة سمية بنخلدون، والضجة السياسة التي تسببت فيها قصة حب كان يمكن أن تعتبر شأنا حميميا خاصا للطرفين..

لكن لعنة الله على السياسة ما دخلت بابا إلا أفسدته كما قال طه حسين.. لاك الإعلام قصة عشق خاصة، وتحول حب لحبيب الشوباني وسمية بن خلدون إلى شأن عام، وأصبح ذا كلفة كبيرة ليس فقط على مستوى الحياة الخاصة للعاشقين بل على الحزب السياسي الذي ينتميان إليه وعلى الحكومة ككل، لذلك لم يعد الحب الذي ربط بين قلب سمية بن خلدون ولحبيب الشوباني مسألة شخصية بعد أن شغلت قصته العام والخاص. مما اضطر يومها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكُومة والأمين العام لحزب العدالة والتنميّة، أن يقدم ملتمسا للملك محمد السادس من أجل إعفاء لحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وسمية بنخلدون الوزيرة المنتدبة في التعليم العالي، عقب “رغبة الشوباني وبنخلدون” في مغادرة موقعهما كوزيرين، ككلفة لحبهما، وأدى التوظيف السياسي لقصة هذا العشق إلى الموت الرمزي والسياسي للكوبل الحكومي..

لو كانت قصة حب مماثلة لما جمع بين قلبي المرحومة سمية ولحبيب في حكومة عادية لمر الأمر بردا وسلاما ولكان العاشقان يتمتعان بشهر العسل في أجمل مدينة مغربية أو في باريس أو ريو دي جانيرو أو في حدائق تشيلسي بدون ضجيج يذكر، ولكن لأن الأمر يتعلق بحزب كان ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية والمتشددون منه قبلوا المدونة المتقدمة للأسرة على مضض، ولأنهم كانوا ضد انفلاتات الحب الذي خلقه الله في الطبيعة البشرية وضعهم الناس وموجهي الرأي العام في المجهر، فقد اختلط الحب بالسياسة لذلك ارتفعت التكلفة التي دفعها حزب العدالة والتنمية وحكومة بن كيران، فما أخطر الاستهانة بالحب حتى ولو كانت الحكومة محافظة مثل حكومة بن كيران، لقد أهين رئيس الحكومة بسبب قصة حب كان يمكن أن تكون جد عادية..

وهو نفسه ما سيتكرر وإن بصيغ أخرى مع الكوبل محمد يتيم والمدلكة وقضية القياديين السابقين بحركة التوحيد والإصلاح عمر بنحماد وفاطمة النجار، التي كانت حلقاتها أكثر تشويقا.. لقد عصف السياق السياسي بالتجارب الثلاث التي ينتمي أطرافها لذات الحزب: العدالة والتنمية وجناحها الدعوي.

ألم تكن هناك قصص عشق في باقي أحزابنا السياسية؟ بلى ولكن السياق هو الذي يعطي معنى للأشياء، والدليل ما حدث لنور الدين مضيان ورفيعة المنصوري والذي أعطته وسائل التواصل منحى أكثر تطرفا..

العلاقة بين مضيان ورفيعة فيها الكثير من الالتباس والغموض، إذ مع كل ما كتب لم نصل بعد حتى هذه اللحظة لتبين طبيعة هذه العلاقة: هل هي عشق مبطن أو فاضح، علاقة تبني؟ علاقة استغلال؟ علاقة تبادل مصالح؟… فحيث ما تنفجر علاقة بين رجل وامرأة بالمغرب دوما نكون على استعداد لملء الفراغات الموجودة في الحكاية بخيالنا ولو بإدخال الفيل إلى الغرفة…

تسريب تسجيل صوتي لتصريحات مضيان، كان بفعل فاعل سياسي، طرف منافس وجد نفسه مقصيا من ترتيبات المؤتمر الوطني لحزب الاستقلال واستخدم قضية الثنائي مضيان والمنصوري، من أجل أن يفاوض على موقع جيد في الترتيبات عبر إزاحة أحد الأعمدة الأساسية.. وهو مضيان رئيس الفريق النيابي لحزب الاستقلال، لم يكن يتصور الطرف الذي حاول استثمار شريط التسجيل سياسيا، أن الموضوع سيتخذ أبعادا خطيرة مثل قنبلة انشطارية لها ارتدادات في أكثر من مكان في زمن مناقشة مدونة الأسرة. لأن الزوج سافر للعمر بعيدا عن ارتدادات تصدع البيت الداخلي، ورفيعة ومضيان معا يعيشان أزمة تهدد مستقبلها السياسي، بعد أن وصل الأمر إلى القضاء.

لقد تدخلت السياسة والطموح إلى السلطة في قتل علاقة لا يعرف حقيقتها وكنهها سوى الطرفين معا، ستنتهي قضية المنصوري ومضيان بموت رمزي للطرفين معا أو لأحدهما على الأقل، بل وسيمس هذا القتل السياسي حتى الذين انكشف أنهم استعملوا ورقة التسجيل الصوتي في علاقة حب نلمس خيطها دون أن نعرف حجمها..

عبد العزيز كوكاس

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى