الجهة اليومالرأي

الأنشطة الشبابية والنسوية المدرة للدخل: قاطرة التنمية لحفظ الكرامة ببوادي سوس – أيت عبد الله نمودجا

  • بقلم امحمد القاضي*//

ساكنة جبال سوس مرابطة بالبوادي وسط طبيعة جافة قاسية نظرا لتعاقب سنوات الجفاف لعقود من الزمن؛ مع ذلك تناضل الساكنة وخاصة النساء والشباب من أجل كسب قوتهم اليومي بعزة وأنفة سوسية لا ترضى باليد السفلى.

تعطل قطار التنمية بقرى أعالي جبال سوس هدر للزمن التنموي، ويعتبر تراجع معدل نمو المنطقة تفقير للساكنة، كما أن تهميش بوادي سوس عبارة عن تقصير في واجب المسؤولية؛ أما النقص في البنى التحتية، فهو قتل لفرص الإستثمار وتجميد للحركة الإقتصادية وفرص الشغل؛ أما شبه إنعدام الخدمات الصحية والتربوية الملائمة، فهو إهمال لدوي الحقوق من أمومة وأطفال وعجزة، وتهجير شبه قصري للطاقات الشبابية والأسرة الحديثة النشأة.

إذا كانت خطوة توفير الدعم الإجتماعي المباشر للأسر الهشة بكل ربوع الوطن إجراء مهم في إطار ترسيخ أسس الدولة الإجتماعية، رغم تأخره وظهور بعض النواقص، إلا انه يعتبر في حد ذاته خطوة لتصحيح عيوب عدم تنزيل برامج التنمية القروية بالشكل اللازم خلال السنوات الماضية. وإقرار السلطات العليا بفشل جزء من أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تقليص الفوارق الإجتماعية والمجالية لأنها زاغت عن سكة الإستثمار في العنصر البشري.

إجراء صرف الدعم الإجتماعي المباشر، قد تكون له نتائج عكسية وغير متوقعة، منها مأسسة التواكل، والإعتياد على طلب الإعانات وإستجداء العطف، وإعتماد التحايل لخفض المؤشر لكسب الدعم. تربية المجتمع على سلوك اليد السفلى، في ظل إنعدام مبادرات مبتكرة لتوفير فرص الشغل، وإطلاق مشاريع تنموية مستدامة تحفظ كرامة الطبقة الهشة.

الدولة الإجتماعية هي ضمان مقومات العيش الكريم للمواطن، من تعليم عمومي متكامل، وولوج خدمات وتغطية صحة ملائمة، وسكن لائق، وخلق فرص شغل للشباب، وتقاعد مريح؛ ويبقى صرف الدعم الإجتماعي إجراء تكميلي لتحسين دخل فئة هشة ليس إلا.

وإذ نحيي المؤسسات والجمعيات والفاعلين الإقتصاديين بجهة سوس على تقليد توزيع القفف الغذائية الرمضانية على ساكنة القرى المهمشة كمبادرة إنسانية تضامنية لدعم القدرة الشرائية الضعيفة للأسر الهشة، ندعوهم لتكثيف الجهود والتفكير في مبادرات خلاقة لإخراج المنطقة من العزلة والتخلف التنموي.

المبادرات الإحسانية الموسمية، على أهمية جانبها التضامني الإنساني، تبقى تلك الآتية من الأشخاص إلتفاتة نبيلة ذات قيمة إنسانية تلبية لواجب التآزر المجتمعي والتماسك البين طبقي، وتربية الناشئة على العمل الخيري؛ أما حين تكرسها المؤسسات لسنوات، فرغم شقها التضامني، فهي حلول ترقيعية وتغطية لفشل تنزيل البرامج التنموية الأكثر إستدامة ونجاعة. ونخشى، كتعبير عن تخوف مشروع وليس إحباط للعزائم، أن تكرس لسلوك التطبيع مع التسول والتواكل وتفشي الشكوى. فعوض أن يتوصل المستفيدين بالإعانات وهم صاغرين، يمكن أن يستفيدوا من دعم مستحق لتمويل أنشطة ذاتية وهم أعزاء النفس، حفاظا لماء الوجه. عملا بحكمة المثل الصيني المعروف: لا تعطيني سمكة (وترهنني)، بل علمني أصطادها (وحررني).

الشباب والنساء في العالم القروي بأعالي جبال سوس في حاجة لمبادرات وخطط ميدانية تصل العمق لإنتشال الساكنة من الهشاشة وبؤر البؤس والتهميش والركود التنموي. المنطقة تنتظر تشجيع الأفكار المبتكرة المنتجة لفرص الشغل، وأملها توفير تمويلات للأنشطة المدرة للدخل، وإعادة الحياة للزراعة المعيشية، وتوفير أصناف النباتات والأشجار المتمرة المقاومة للجفاف لإعادة الحياة للطبيعة وإخضرارا للمجال. الشباب والنساء بقرى سوس، كانت وما تزال على مر الزمان، طاقة خلاقة، وحركة منتجة، وقوة عمل جادة، يتم للأسف هدرها بالإقصاء والنسيان.

الساكنة تطمح للمساهمة الفعالة في تدوير العجلة الإقتصادية المحلية لدحر أوجه الفقر الأسري ولرفع مؤشر التنمية الوطنية، وليس لتشجيع التواكل، وللتحايل على خفض مؤشر الدعم الإجتماعي المباشر بمعطيات زائفة لكسب حوالة التعويضات الشهرية.

وكمثال على صدق القول ولتجربة ميدانية معبرة، قامت جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله، رغم تواضع إمكانياتها، بإطلاق مبادرة تربية الدواجن موجهة للفئة الهشة من نساء الدواوير 22 بالجماعة، كتجربة تعتبر الأولى من نوعها في المنطقة. الهدف من المشروع، تمكين النساء، وتعزيز قدراتهن، وإحياء تقليد تربية الدجاج البلدي الشبه منقرض بالدواوير وتوفير مصدر تغذية للأسر، ومورد رزق مستدام للنساء ولو بمقدار متوسط، ويمكن أن يضمن مردودية أكبر إذا إنتظم داخل تعاونيات محلية لتسويق المنتوج.

المهم، المشروع قوبل بإنخراط مكثف وجاد من طرف المهتمات كعربون على رغبة القرويات في تحسين ظروف العيش، وتوفير دخل مستدام يحفظ الكرامة ويغدي الشعور بالإنتماء لمجتمع منتج. المبادرة بادرة موفقة، تستحق التشجيع وكذلك نسخها ونقل تجربتها وتطويرها بمناطق مجاورة لتعميم الفائدة وكنمودج لرغبة النساء في تغيير وضعهن الهش. بوادر نجاح التجربة في بدايتها تعبير على فعالية الأنشطة المنتجة والمدرة للدخل. للمزيد من المعلومات حول هذا المشروع، المرجو الإطلاع على صفحة الجمعية على الفايس.

على غرار النساء، هناك شباب في عز عمر العطاء بالمنطقة، يفضل العيش التطوعي في ‘تمازيرت’ حفاظا على الإنتماء الروحي والوجداني لأرض الأجداد، بعضهم متقاعس والبعض الآخر يجتهد لخلق فرص شغل داتية موسمية ومشاريع صغرى متواضعة رغم قساوة طبيعة المكان؛ على الإستسلام للهجرة القصرية والعيش قهرا في هوامش المدن أو السقوط ضحية لتجار البشر وطعمة لقوارب الموت.

بعض هؤلاء الشباب لا تعوزهم الأفكار والإرادة أوالعزيمة، بل يشكلون فرصة وطاقة منتجة ينقصها الإهتمام وإلتفاتة تشجيعية من المسؤولين من خلال توفير تكوينات مهنية لحاملي المشاريع، وتمويل مبادراتهم الذاتية أوتقوية المحاولات الجماعية ونسيج التعاونيات النسوية ومصاحبة تجاربهم الميدانية لتعزيز إختيار الفئة العمرية الشابة الحياة بالجبال. كل هذا يصب في دعم إستقرار الشباب الرافض للهجرة داخل محيطهم للمساهمة في تنمية منطقتهم القروية. ولنا في جماعة أيت عبد الله بعض النمادج الحية، رغم قلتها.

في المقابل، هناك مهاجرين شباب ومتقاعدين من قاطني الحواضر، يمنون النفس بالعودة الإختيارية للعيش والإستقرار بمسقط رأسهم بشكل نهائي، وإنشاء مشاريع تعود بالنفع على الجميع، والتمتع بهدوء وجمالية المكان. لكن ضعف الخدمات، وبطئ وتيرة التنمية تمنعم من ذلك. تشجيع الهجرة العكسية في إتجاه البوادي لإعادة إعمار المناطق القروية حل سيعيد التوازنات لخريطة الوطن وسيساعد على رفع الحيف، وتحقيق الإنصاف، تقليص الهوة وتكافئ الفرص بين جهات المملكة.

خلاصة القول، جهود التنمية الغير كافية بأدرار بمثابة عقوبة وحيرة أسطورة سيزيف الإغريفية التي تدخل في تكرار أبدي لمحاولات يائسة بدون نتيجة ميدانية. المجتمع السوسي بأدرار ينتظر إعادة الثقة لنفوس الساكنة، وزرع الأمل في الطاقات الحية، والإنخراط في العمل الجمعوي التطوعي الميداني الهادف وتداول خطاب تنويري؛ لأن ممارسة التقية بواسطة الخطاب التسويفي والوعود السياسية التنويمية ستستنزف، عاجلا أم آجلا، وقتها الزمني الضيق.

بصراحة، تنقص الجهات الوصية النوايا الحسنة لإشراك المجتمع المدني وتبني مقاربة تشاركية، والإرادة السياسية الصادقة ووضع إستراتيجية واضحة الأفق والمعالم للنهوض بالعالم القروي؛ بينما تجتمع في المجتع المدني، رغم تشتت الكلمة، الطموح الجارف والرغبة في إحداث التغيير. لكن للجهات ما يكفي من الإمكانيات المادية، والموارد البشرية والقدرة المعنوية وأدوات التنزيل الكافية والترسانة القانوية اللازمة للتخفيف من توالي الصدمات الموجعة القاتلة على الجسم الهزيل لساكنة جبال الأطلس.

ويحضرني هنا بيت شعري لعنترة بن شداد، وما أدراك ما شعره البطولي:
لا تسقيني ماء الحياة بذلة

بل فاسقيني بعز كأس الحنضل

  • *رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله
          

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى